صاحب أول فيلم مصري ناطق .. أنشأ مسجدًا داخل المسرح ومنع التدخين وشرب الخمور .. ومنع بسببه تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية
محمد شوقي موقع السلطةصاحب أول فيلم ناطق في تاريخ السينما المصرية، ومنع بسببه تجسيد أدوار الأنبياء والصحابة في الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وهو أول من أنشأ مسجدًا داخل المسرح ووقف البروفات أثناء الصلاة، ويطلق عليه مبعوث العناية الآلهية للفن، هو الفنان القدير يوسف وهبي.
يتمتع يوسف وهبي بشعبية كبيرة في مصر والوطن العربي، كما يحفظ معظم عشاق السينما «قفشاته» عن ظهر قلب، ولكن لا يعرف الكثير، أن بفضله أصبحت شهادة الفنانين معمول بها في المحاكم، بعدما كانت شهادتهم لا يؤخذ بها باعتبار الفنان مشخصاتي.
ويعتبر عميد المسرح العربي كما يطلق عليه، أول من قدم أعمالًا مسرحية، تهدف للتربية و التقويم و العظه، فهو المسلم الوحيد في العالم الذي حصل على جائزة من بابا الفاتيكان.
موضوعات ذات صلة
اسمه الحقيقي يوسف عبد الله باشا وهبي، ولد في 14 يونيو عام 1898 على بحر يوسف بمدينة الفيوم ليطلق عليه والديه "يوسف" تيمنًا به.
والده عبد الله باشا وهبي، مفتش الري الذي قام بتحويل الآلآف من الأراضي الصحراوية لأراضي زراعية .
أحب يوسف وهبي الفن، وعشقه منذ الصغر، بل وتعلق به بعدما رأى الفرق المسرحية الغربية، وتمنى أن يقدم فن مصري وعربي يخدم المجتمع.
سافر إلى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى مع صديقه «محمد كريم»، ودرس التمثيل هناك، و لم يعد إلى مصر إلا عندما علم بوفاة والده، ليأخذ ميراثه والذي قدر بعشرة آلاف جنيه ذهب، ليستغل ميراثه في إنشاء مسرح، قبل قيامه بتشكيل و فرقة رمسيس.
وقدم «وهبي» العديد من الراويات، التي تدعو للفضيلة و الأخلاق و القيم، وتبث روح وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
أنشأ مسجدًا في قلب المسرح، وعُيِن فيه إمام و مؤذن، وكان يوقف البروفات في أوقات الصلاة، ومنع التدخين وشرب الخمور نهائيًا، سواء للجمهور أو الفنانين المشاركين في الأعمال المسرحية ، وكان يفرض عقوبات قاسية على أي فرد يراه يدخن داخل المسرح.
وضمت الفرقة المسرحية، التي كونها «وهبي» فنانين عمالقة مثل «عزيز عيد، فاطمة رشدي، أمينة رزق، علوية جميل، سراج منير، عبد العليم خطاب، فاخر فاخر ونعيمة وصفي» وغيرهم من كبار الفنانين.
وكانت فرقته تجوب العالم بأسره، عربيًا و دوليًا، وكانت خير ممثل لمصر في الخارج، مما جعل الملك فاروق، يخصص لفرقته مبلغًا شهريًا قدره 1000 جنيه مصري في سابقة لم تحدث لأي فرقة مسرحية أخرى.
ومن أهم أعماله المسرحية، «أولاد الفقراء، راسبوتين، كرسي الاعتراف، بيومي أفندي وبنات الريف».
وكما تمتع «وهبي» بتاريخ كبير من العطاء، فلديه أيضًا مواقف خلافية لا تنسى، وأبرزها عندما أراد تجسيد شخصية النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم في فيلم سينمائي، وعندما علم الأزهر الشريف بذلك، رفض بشدة وأتصل كبار المشايخ بالملك فؤاد، ملك مصر آنذاك، قبل أن يمنعه من عمل الفيلم، بل وهدده بسحب الجنسية المصرية منه، و طرده خارج البلاد.
ولم يجد «وهبي» أمامه سوى الرضوخ لقرار الملك، ليصدر بعدها الأزهر وثيقة تمنع تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية.
ويعتبر يوسف وهبي صاحب أول فيلم ناطق في تاريخ السينما المصرية وهو فيلم «أولاد الذوات» والذي كان من بطولته، وإنتاجه، وتأليفه، عام 1932، ومن إخراج صديقه محمد كريم.
وتوالت بعد ذلك أعمال السينمائية الخالدة، مثل «سفير جهنم، رجل لا ينام، إبن الحداد، الفنان العظيم، ملاك الرحمة، ضربة القدر، ليلة ممطرة،بنت ذوات، الأفوكاتوا مديحة وأولاد الشوارع».
وساهم «وهبي»، في تقديم العديد من النجوم في تاريخ السينما المصرية، فقدم محمد فوزي لأول مرة في فيلم «سيف الجلاد» عام 1946، وفاتن حمامة في فيلم «ملاك الرحمة» عام 1946، كما قدم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أمام المسرح الغنائي كبديل عن صباح في فقرتها متحملًا بمفرده المسؤولية.
ومن المفارقات الغريبة والنادرة في تاريخ يوسف وهبي الفني، أنه أول من قدم أنور وجدي في فيلم «الدفاع» عام 1935، وكان أجره 15 جنيه وقتها، وعندما تأخر «وجدي» عن ميعاد تصوير آخر مشاهده في الفيلم، عاقبه بحرمانه من الأجر إلى أن دارت الأيام و بزغ نجم أنور وجدي، ليصبح من أهم نجوم السينما فعرض على يوسف وهبي مشاركته في فيلم «غزل البنات» عام 1949 فوافق الأخير، و في نهاية التصوير خصم منه «وجدي» 15 جنيهًا، وعندما استفسر يوسف وهبي عن السبب، ذكره بالموقف الذي حدث بينهما في أولى أفلامه.
ونال يوسف وهبي، لقب البكاوية، بعد أن شاهد الملك فاروق العرض الخاص لفيلم «غرام و انتقام» عام 1944، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، عام 1960، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1970، والدكتوراة الفخرية من الرئيس السادات، ولقبه بفنان الشعب، ومنحه بابا الفاتيكان جائزة تقديرية لدوره البارز في إيعاظ المجتمع وهوالمسلم الوحيد الذي حصل على هذه الجائزة.
وظل يقوم بأدوار التراجيدي، إلى أن أعاد اكتشافه في الكوميديا، المخرج فطين عبد الوهاب في فيلم «إشاعة حب» عام 1960، ويعد من أهم أدواره وأكثرها تأثيرًا في الجمهور، ثم قدم بعدها العديد من الأفلام الكوميدية الناجحة، مثل «إعترافات زوج، شنبو في المصيدة والبحث عن فضيحة».
ومن أهم المواقف التي لا يعرفها الكثيرون عن يوسف وهبي، تهديده بمنع عرض فيلم «مينامار»، بسبب جملة «الإشتراكيين وقعوا في بعض»، قبل أن يتدخل الرئيس جمال عبد الناصر ليوافق على عرض الفيلم.
أحبته بل وعشقته رفيقة دربه، وأهم تلميذاته أمينة رزق، وعزفت عن الزواج به ليظل حبها مشاعر سامية.
تزوج «وهبي» بإمرأة من خارج الوسط الفني، وكانت متزوجة قبله، ولديها ابنة فقام برعايتها كما لو كانت ابنته، قبل أن تلقى مصرعها، بالسقوط من على أحد الخيول التي كان يمتلكها، وهو ما أثر عليه كثيرًا، وجعله يدخل في أزمة نفسية ظلت تلازمه لسنوات طويلة، لدرجة جعلت الكثيرين يؤكدوا تأثره بوافاتها أكثر من والدتها.
رسخ يوسف وهبي الفن كقيمة للناس، وميثاق شرف، ومنبر يجسد فيه أسمى المعاني، حتى أن شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود قال له: «إحنا ممكن نقف على منبر نوعظ عشرات الناس لكن أنتم كفنانين إذا إلتزمتم ممكن توعظوا الآلاف بل الملايين من الناس175.
وتوفي يوسف وهبي في 17 أكتوبر عام 1982، بمستشفى المقاولون العرب عن عمر يناهز 84 عامًا.