ضابط سابق بالجيش التركي: أردوغان هدفه السيطرة على المؤسسة العسكرية
وكالات -رامي خلف موقع السلطةقدم ضابط تركي كبير سابق تفسيرا لما يحدث داخل المؤسسة العسكرية، واصفا إياه بـ"الشيء الخطير"، الذي أدى إلى امتعاض بين كبار الضباط ظهر أخيرا في استقالة جماعية لعدد من الجنرالات، ووضع الجيش التركي مجددا في دائرة الجدل السياسي.
ويقول الكولونيل خالص تونجي، الملحق العسكري السابق في سفارة تركيا في أثينا، الذي ترك الجيش عام 2016، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "أردوغان استغل محاولة الانقلاب الفاشلة والصراع مع حركة فتح الله غولن كواجهة فقط، لكن الهدف كان السيطرة على المؤسسة العسكرية".
ويضيف تونجي: "في عام 2010، كان رئيس المجلس العسكري يجلس بجوار أردوغان على رأس الطاولة، أما الآن فينفرد أردوغان الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة برئاسة المجلس، ليدل ذلك على مدى التحول الذي حدث داخل الجيش مع المحاولات المستمرة لتحجيمه".
"كما استخدم أردوغان قضية أرغينيكون الشهيرة التي اتهم فيها كبار الجنرالات ومئات الضباط والمثقفين ورجال الأعمال بالتخطيط لانقلاب على السلطة في تركيا، وجد الرئيس التركي في الانقلاب الفاشل في يوليو عام 2016 فرصة لإعادة تنظيم هيكل الجيش وهو يدرك جيدا أنه إذا كان لديك الأغلبية في هذا المجلس، فإنه يمكنك فعل كل شيء تقريبا في تركيا".
وانعقد مجلس الشورى العسكري في مطلع أغسطس الجاري لبحث أمر الترقيات، وصادق أردوغان على قراراته قبل أيام.
وطالت انتقادات الاجتماع نفسه الذي لم يستغرق سوى ساعة واحدة، رغم أن هذا الاجتماع يستغرق في العادة من 6- 8 ساعات لبحث الترقيات بشكل مفصّل.
ومن بين الجنرالات المستقيلين، الجنرال أحمد أرجان تورباجي، المسؤول عن العمليات العسكرية في إدلب، ومساعده، أما بقية الضابط فيعلمون في أماكن حساسة مثل محافظتي فان وهكاري، التي تشهد عمليات ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وفي محافظتي كيليس وأضنة الحدوديتين مع سوريا.
الولاء وليس الكفاءة
ويقول تونجي إن بعض الجنرالات احتجوا على طريقة التعيينات في المناصب العليا والترقيات، بشكل يوحي باستهداف هيكلية الجيش القائمة على الجدارة والأقدمية، وذلك بعد أن جرى نقلهم من الوحدات الميدانية في سوريا إلى وظائف داخل تركيا.
ويوضح تونجي أن ترقيات الضباط في الآونة الأخيرة شملت الأقل كفاءة وتجاهلت الأكثر خبرة، بينما اعتمدت على الولاء السياسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فـ"بعض من الضباط الذين تلقوا ترقيات كبيرة كانوا زملائي وأعرفهم جيدا وأعرف أنهم لا يملكون غير ولائهم للحزب الحاكم".
والاستقالة الجماعية "غريبة وغير طبيعية" في عرف الجيش التركي، بحسب الضابط السابق الذي يقول: "شيء غريب حقا. لقد رأيت حركات معارضة ضد أردوغان في الأوساط المدنية لكن داخل الجيش. هذا غريب".
وتلك هي أول استقالة جماعية داخل الجيش منذ عام 2011، عندما طلب رئيس الأركان العامة إلكر باشبوغ، وقادة الجيش والبحرية وسلاح الجو، التقاعد، احتجاجا على الاعتقالات الجماعية التي اعتبروها هجوم متعمد ومخطط له ضد الضباط الأتاتوركيين والعلمانيين في القوات المسلحة. وبالفعل في عام 2013، اقتيد رئيس الأركان إلى السجن لمدة 7 أشهر على ذمة قضية أرغينيكون قبل إطلاق سراحه وإسقاط القضية.
وبحسب الخبير في الشأن التركي، محمد عبد القادر، فإن هناك تحولات تشهدها المؤسسة العسكرية التركية منذ محاولة الانقلاب علي مستويات العقيدة القتالية والإيديوجيا السائدة، وطبيعة القيادات وخلفياتها التعليمية ومؤهلاتها التدريبية.
وذكر عبد القادر لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "القيادة السياسية عملت على تهميش القوات الجوية لصالح بعض أفرع الجيش الآخرى وذلك بدعوي قيادة عناصر في القوات الجوية محاولة الانقلاب".
"وقد جرى إحلال وتبديل كامل لهذه القوات من الداخل، وكذلك الكليات العسكرية والقيادة العليا للجيش، وكل ذلك يأتي انطلاقا من، أو في إطار، تغليب اعتبارات الولاء عن الكفاءة عبر تحييد العناصر القيادية الرئيسية، لصالح قيادات جديدة لا تؤمن فقط بأفكار العدالة والنظريات الحاكمة لدي التيار القومي الجديد داخل الحزب وإنما ترتبط به وتأتمر بؤامره وتنفذ سياساته وأجندته".
لذلك كانت هناك دوما مشاحنات داخلية ومحاولات لإظهار الولاء من أجل الترقي والوصول للمناصب العليا، وذلك في أجواء دافعة لإبعاد العناصر الأكثر كفاءة من المناصب المهمة في الجيش، بحسب عبد القادر.
عمليات إدلب
والجنرالات المستقيلون حديثا كانوا يقودون وحدات عاملة في سوريا، وذلك يشير إلى الخبرة العملياتية الكبيرة التي يتمتعون بها، وبالقطع هم غير راضين عن الاستراتيجية التي يجري تطبيقها هناك.
والأهم في ذلك أن تلك الاستقالات تزامنت مع تطورات خطيرة في إدلب، بعد محاصرة الجيش السوري لقوات تركية في نقطة مورك العسكرية التي تشير إلى أن قرارات خاطئة قد اتخذت، بالإضافة إلى تقديرات عسكرية بأن أنقرة لن تستطيع الإبقاء على المناطق التي سيطرت عليها في سوريا سابقا، بحسب تونجي.
ويشير الصحفي التركي جومالي أونال إلى أهمية توقيت الاستقالات، التي جاءت بعد انهيار الجبهة في إدلب وذهاب أردوغان في زيارة مفاجئة إلى موسكو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة بعد تهديدات روسية بمواجهة القوات التركية هناك.
ويقول أونال لموقع "سكاي نيوز عربية": "أعنقد أن الجيش لا يريد صراعا مع روسيا في سوريا ولا يريد المضي قدما في الاستراتيجية الحالية، وهم ممتعضون من دعم أردوغان للميليشيات المسلحة والمتطرفة التي تحاول روسيا القضاء عليها".
ويضيف: "نقل هؤلاء الجنرالات من الميدان وإسناد وظائف أقل داخل تركيا لهم ربما يكون سببا. لكن أعتقد أن السبب الحقيقي هو معضلة إدلب".
وكان الجنرال التركي إردال سينر، الذي عمل في قيادة فرقة العمل المشتركة مع الولايات المتحدة في منبج، ذكر خلال مقابلة أجريت معه في وقت سابق من هذا الشهر، أن الحكومة التركية يجب أن تبرم اتفاقا مع الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل أن "تنقذ نفسها من مستنقع سوريا".
وأضاف سينر أن اتفاق المنطقة الآمنة بين الولايات المتحدة وتركيا الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، كان مجرد تكتيك أميركي لتجميد الوضع.
لكن هذا الجنرال كان من بين القادة العسكريين الذين أجبروا على التقاعد قسرا قبل الموعد المحدد، في خطوة أظهرت عدم تسامح أردوغان مع الأصوات المعارضة له، أو على الأقل المنتقدة، داخل المؤسسة العسكرية.