ميمي شكيب.. سيدة الصالون الثقافي التي أحبها رئيس وزراء مصر
محمد شوقيسيدة الصالون الفني.. أحبها عبود باشا أغني مصري، وحسنين باشا رئيس وزراء مصر.. أشعلت الغيرة في قلب ملكة مصر.. تزوجت من ابن شقيقة رئيس وزراء مصر.. أحبت التمثيل الذي ظلمها هو والواقع فكانت ضحية السياسة القاتلة.
هي أمينة محمد يوسف شكيب «ميمي شكيب»، من مواليد 25 ديسمبر عام 1913 لعائلة كبيرة وثرية تعود لأصول شركسية كان والدها مأمورًا لقسم بوليس حلوان، وجدها ضابطًا بالجيش في عهد الخديوي إسماعيل، أما والدتها فكانت سيدة آرستقراطية تتقن العديد من اللغات منها التركية والإيطالية واليونانية والألمانية وكانت لها شقيقة واحدة تكبرها بأربع سنوات هي «زينب» أو الفنانة زوزو شكيب فيما بعد.
عاشت «أمينة» حياه القصور والسرايات وتلقت تعليمها بمدرسة العائلة المقدسة بحلوان وعلى الرغم من أنها لم تكن متفوقة في دراستها إلا أنها استطاعت إتقان اللغتين الفرنسية والإسبانية، وعلى الرغم من الحياة المرفهة التي عاشتها أمينة إلا أنها لم تشعر بالسعادة بسبب معاملة والدها المتشددة فكان يمنعها وأختها من الخروج للمنزل إلا من أجل الذهاب للمدرسة فقط.
موضوعات ذات صلة
استمرت حياة أمينة شكيب، هادئة ومستقرة حتى انقلبت حياتها رأسا على عقب بعد وفاة والدها بشكل مفاجىء ولم تكن قد أكملت الثانية عشر من عمرها ودخلت والدتها في صراع عنيف مع أسرة الزوج على الميراث حيث طلبوا منها تسليم الشقيقتين «أمينة وزينب» لكي يتولوا مسؤوليتهم وهو ما رفضته الأم بشكل قاطع فتم حرمانهم من الميراث واضطرت الأم للنزول للعمل حتى تتمكن من الإنفاق على ابنتيها.
في تلك الأثناء، تقدم أحد الأثرياء وكان ابن شقيقة إسماعيل باشا صدقي، رئيس الوزراء، للزواج من «أمينة»، وعلى الرغم من أنه يكبرها بنحو 20 عاما إلا أنها وافقت على الزواج منه وكانت سعيدة بتلك الزيجة ظنا منها أنها ستعيش حياتها بحرية وانطلاق وتتمكن بسهولة من الذهاب للسينما وهو الأمر الذي كان يرفضه والدها بشكل قاطع، إلا أنها فوجئت بأن زوجها أكثر تزمتا من والدها حيث منعها من الخروج بشكل نهائي ولم يتوقف الأمر عند ذلك فبعد 3 أشهر من الزواج، تزوج من امرأة أخرى وتركها في المنزل وحيدة وحاملًا في طفلها الأول فلم تتحمل هذه الصدمة وأصيبت بحالة من الشلل المؤقت ونُقلت لمنزل والدتها لتلقي العلاج وبعد شفائها طلبت الطلاق من زوجها حتى قبل أن تضع طفلها الأول وعلى الرغم من رفضه في البداية إلا أنه مع إصرارها على الانفصال لم يجد حلًا سوى تنفيذ طلبها.
بعد الانفصال، قررت «أمينة»، أن تتمرد على نمط حياتها السابقة وتعيش بحرية دون قيود وفكرت في العمل بالفن خاصة أنها تهوي الفن فذهبت مع شقيقتها إلى نجيب الريحاني فضمهما لفرقته، كان صاحب الفضل الأكبر على ميمي شكيب، علمها كيف تنطق الكلمات وكيف تحفظ أدوارها وكيف تستطيع مواجهة الجمهور على خشبة المسرح؟، وفي خلال فترة قصيرة أصبحت ميمي شكيب بطلة الفرقة وقدمت عدة مسرحيات منها «حكم قراقوش، وقسمتي» أما أهم مسرحياتها التي قدمتها مع الفرقة فكانت «الدلوعة»، وحققت من خلالها نجاحًا كبيرًا لذا أُطلق عليها دلوعة المسرح.
كانت تعشق السهر تهوى الرقص لا تشعر بالسعادة إلا وهى محاطة بالمعجبين والمريدين والأثرياء لذا دخلت في أكثر من علاقة عاطفية منهم أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي، الذي أعجب بها عندما شاهدها في مسرح الريحاني وتعددت اللقاءات بينهما ولكن لم تستمر تلك العلاقة كثيرًا إذ علمت الملكة نازلي، بالأمر فطلبت من «الريحاني» طرد ميمي شكيب من الفرقة وعدم استقبال أحمد حسنين، وعندما رفض تنفيذ طلبها أرسلت له تهديدًا بالقتل فلم تجد ميمي شكيب حلًا سوى أن تقطع علاقتها بأحمد حسنين، لأنها لا تستطيع منافسة الملكة على حبه، بعدها ارتبطت عاطفيًا بالاقتصادي الكبير أحمد عبود باشا، الذي أغرقها بالهدايا وتعددت مغامراتها العاطفية حتى أنها أصبحت حديث الصحف في تلك الفترة فقررت أن تتزوج مرة أخرى وكان رجل الأعمال جمال عزت، الزوج الثاني في حياتها إلا أن تلك الزيجة لم تستمر كثيرًا فسرعان ما وقع الانفصال بسبب غيرته الشديدة عليها.
لم تكتف ميمي شكيب، بالنجاح الذي حققته على المسرح وأرادت أن تحقق نجاحًا مماثلًا من خلال السينما، وكان أول أفلامها «ابن الشعب» عام 1934 وقامت فيه وكان البطل أمامها سراج منير وتحولت قصة الفيلم لحقيقة لتتوج قصة الحب بالزواج عام 1942 بعد ما توسط نجيب الريحاني في هذا الزواج وعاشا معا 15 سنة في منتهى السعادة واشتركا سويًا في العديد من الأفلام قدما خلالها دور زوجين أو حبيبين منها «بيومي أفندي، ونشالة هانم، ودهب، وابن ذوات، وكلمة حق، ونهارك سعيد».
في عام 1957، مات سراج منير، إثر إصابته بأزمة قلبية فقررت ميمي شكيب، عدم الزواج من بعده وظلت وفية لهذا الحب الكبير رغم تقدم العديد لها من كبار الشخصيات الفنية وغير الفنية للزواج منها ولكنها رفضت وركزت بشكل كبير على عملها.
قدمت ميمي شكيب، خلال مشوارها السينمائي عشرات الأفلام، وضم سجلها السينمائي 166 فيلما حصرها في أدوار الشر مثل «زوجة الأب القاسية، والحماة الغليظة، والسيدة الارستقراطية الشريرة، والقوادة»، إلا أنها كانت أحيانا تحاول الخروج من هذا النمط فقدمت أدوارًا أخرى، من أهم أعمالها «سي عمر، وشاطئ الغرام، ودهب، وبيومي أفندي، وحياة الظلام، وليلى بنت مدارس، والفتوة، وطريق الأمل، والقلب له أحكام، وأين عمري، والحموات الفاتنات، والبنات شربات، وعلموني الحب، وآمال، ومعلش يا زهر»، إلى كان أهم أدوارها فيلم «دعاء الكروان» عام 1959، وجسدت فيه دور «زنوبة» التي تقدم الخدمات للمهندس الزراعي، والتي حصلت فيه على جائزة أفضل ممثلة دور ثان في أدوار الشر.
اعتادت ميمي شكيب، على أن يكون منزلها عامرا بالحفلات بمناسبة وبدون مناسبة تستقبل فيه كبار رجال المجتمع من الفنانين والأدباء والمثقفين ورجال الأعمال والسياسة مع زوجاتهم وأولادهم فكانت لا تجد متعة في حياتها مثل هذه العادة التي جلبت عليها الهلاك، ففي أحد أيام شهر فبراير عام 1974 تم القبض عليها ومعها مجموعة من الفنانات الشابات اللاتي كن يحضرن حفلاتها باستمرار بتهمة إدارة منزلها للأعمال المنافية للآداب وهى القضية التي عرفت باسم «الرقيق الأبيض» أو «قضية الآداب الكبرى» وحظيت باهتمام إعلامي غير مسبوق فكانت الصحف تفرد مساحات واسعة لمتابعة تطورات القضية بطريقة تجعلك تقتنع أن وراء هذه التغطية الصحفية الواسعة شئ ما فكانت تفاصيل القضية ساعة بساعة على الصفحات الأولى لجميع الجرائد والمجلات كما لو كانت تؤدي دور مطلوب منها وبالفعل كانت جلسات المحاكمة تشهد حضور عدد من المراسلين الأجانب بالإضافة لآلاف المواطنين العاديين الذين كانوا يحتشدون حول قاعة المحكمة مما دفع القضاء إلى جعل الجلسات سرية مما أشعل فضول الجميع أكثر وبعد حوالي 170 يوما من المحاكمة حصلت ميمي شكيب وباقي المتهمات على البراءة لعدم ضبطهن في حالة تلبس حيث تم إلقاء القبض عليها وهي في حالة عادية وكان في منزلها عائلات كبيرة وراقية ولكن اتضح فيما بعد الحقيقة التي لا تموت وإن مات أصحابها وكانت هي الضحية.
على الرغم من حصول ميمي شكيب على البراءة، إلا أنها لم تكن كافية لتبرئتها أمام المصريين حيث ظلت تعاني من تلك التهمة فدخلت مصحة نفسية بضعة أشهر وبعد خروجها لم تستطع مواصلة حياتها بشكل طبيعي حيث ابتعد عنها المخرجون والفنانون ولم تقدم في تلك الفترة سوى أعمالا قليلة وأدوارا لا تليق بمكانتها الفنية وكان فريد شوقي أكثر من وقف بجوارها وقدم لها أدوارا في أفلامه مثل «الذئاب، وطائر على الطريق»، ثم سمير صبري في آخر أفلامها «السلخانة» عام 1982، ونتيجة لظروفها السيئة اضطرت إلى أن تقدم على معاش استثنائي من صندوق معاشات الأدباء والفنانين بوزارة الثقافة حيث لم يكن معها ثمن الدواء وهي التي كانت تنفق بسخاء ويضع المال حتى قدميها.
وجاءت نهاية ميمي شكيب، بعد ما عرضت عليها إحدى الصحف العربية، أن تكتب مذاكراتها نظير مبلغ خيالي فوافقت خاصة أنها في أمس الحاجة لأي مال، ولكن لم تلحق أن تروي أو تكتب حرف حيث تم إلقائها من شرفة شقتها من الدور السابع بوسط البلد في 20 مايو عام 1983 وهي تصرخ قائلة «حسبي الله ونعم الوكيل» قبل أن تكمم لتنزل إلى شارع منزلها غارقة في دمائها في منتصف ليل القاهرة، كما ورد في أقوال جارتها التي سمعت صوتها ولم تستطع إنقاذها حيث وجدت رجلا ملثما يقف على باب شقتها رافعا في وجهها سلاح ناري وقيدت القضية ضد مجهول ولم تسلط الصحف خبر مصرعها الغامض كما سلطت خبر قضيتها الملفقة في الصفحات الأولى على غير العادة.
انتهت بهذا الشكل المأسوي حياة سيدة «الصالون الفني» في مصر خلال حقبتي الأربعينيات والخمسينات من القرن العشرين، فقد ظلمت في التمثيل وظلمت في الواقع ولم يكن معها في أيامها الأخيرة سوى فريد شوقي وسمير صبري ونادية لطفي وشويكار، وانتظمت في أواخر أيامها على الصلاة وقراءة القرآن الكريم، وتقول: «محدش خرجني من أزمتي دي إلا ده»، مشيرة إلى المصحف الشريف، وكانت دائمة البكاء والدعاء على من ظلمها بقول «حسبي الله ونعم الوكيل»، كما روت عنها نادية لطفي، وهي تبكي عليها وعلى ما حدث لها.