موقع السلطة
الجمعة، 20 سبتمبر 2024 12:45 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
مقالات رأي

خسرنا فلسطين يوم أسلمنا القضية

موقع السلطة

يتمتع المجتمع الفلسطيني بتنوع ديني وطائفي قريب مما نراه في المجتمعات الشامية مثل سوريا ولبنان، فالمسلمين سنة وشيعة، والمسيحيين ارثوذكس وكاثوليك، وعرقياً هنالك تركمان ودروز وأرمن، إضافة الى الطائفة السامرية الإسرائيلية.

حينما بدأ الاستيطان الصهيوني لفلسطين عام 1882 عقب نجاح بريطانيا في غزو مصر، نشأ ما نعرفه اليوم بـ "القضية الفلسطينية"، كان خطاب مؤيدي الحق الفلسطيني هو الدفاع عن قضية فلسطين وليس "القدس اسلامية".

صحيح ان الخطاب اتخذ منحني عروبي مع صعود القومية العربية، ولكن حتى هذا الخطاب العروبي، لم يسقط المسيحيين والدروز والتركمان والارمن والسامريين من جعبة القضية الفلسطينية.

ان البعد المسيحي للقضية الفلسطينية تحديداً في غاية الأهمية، في ظل حقيقة ان كنيسة القيامة تهم العالم المسيحي بأسره، حتى لو كانت تقع تحت سيطرة كنائس ارثوذكسية فأن باقي الكنائس المسيحية تهتم بهذا المكان، الوعي المسيحي العالمي ان شأنا الدقة مرتبط بمهد المسيح بغض النظر عن اختلاف الكنائس.

وكان الفلسطينيين المسيحيين في طليعة من قاوم هذا الغزو الصهيوني، كذلك السامريين والارمن، وكان الصوت الفلسطيني المسيحي قوياً عبر الزعيم جورج حبش، ولم يكن طائفياً او عنصرياً، كان قومياً بامتياز.

وكانت ميزة عدم تناول القضية الفلسطينية من منظار ديني، انها تجعلها قضية إنسانية في المقام الأول، وهي كذلك بالفعل، قضية شعب يتعرض للاستعمار والامبريالية الوحشية، ولكن العدو في إطار لعبة فرق تسد، وجد أن اسلمة القضية سوف تؤدى الى خسائر جمة للقضية.

استبعاد التنوع عموماً والصوت المسيحي خصوصاً، صاحب الثقل في الكنائس الغربية، واثارة النزعة الإسلامية المتطرفة داخل المجتمع الفلسطيني المحتل بما يجعل غير المسلم داخل المجتمع الفلسطيني يشعر بالغبن والإرهاب على يد فلسطيني مثله ما يؤدى الى تسويف القضية الرئيسية.

كما ان تحويل الجانب الفلسطيني الى جانب ديني لا قومي، يعني اعترافاً بالجانب الديني للمستعمر الإسرائيلي، وهو امر سعى اليه الغرب منذ اللحظة الاولي حينما صنع دولة إسرائيل، فتحويل الصراع الى ديني وليس قومي او وطني ضد محتل امبريالي، هو غرض غربي واسرائيلي في المقام الأول.

ويلاحظ انه إسرائيل لم تستطيع اعلان مشروع القومية اليهودية في سنوات ما قبل أسلمة القضية، ولكن مع تحويل القضية من فلسطينية – عربية الى إسلامية على يد تنظيم اخوان فلسطين سواء حركة حماس او حركة الجهاد، بات هذا الإعلان سهلاً.

والقضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية، بل هي قضية سياسية خالصة، الاستعمار الغربي في إطار تقسيم المشرق وجد انه يجب دق مسمار في قلب دفتي الإمبراطورية المصرية الكبرى من الشام الى وادي النيل، وحاولوا عبثاً في سنوات الحروب الصليبية استغلال المسيحية السياسية في هذا المضمار ولما فشلوا اعادوا ترتيب الصفوف واخرجوا كارت اليهودية السياسية وكان ما كان.

هذا الصراع بين الغرب والشرق نشأ قبل الديانات الرئيسة الثلاث، قبل ان يكون الإسلام هو الأكثر انتشارا في الشرق وان تصبح المسيحية هي الأكثر انتشاراً في الغرب، ومصر تلعب دورها التاريخي في المنطقة والعالم من قبل ان تصبح محسوبة على العروبة والإسلام، فقد ذهب رمسيس الثاني بجيشه ونفوذه الى الاناضول، وتحتمس الثالث الى سوريا وفلسطين، ورمسيس الثالث الى شمال الجزيرة العربية، وحتشبسوت الى القرن الافريقي، وامنحوتب الثالث الى لبنان، وذلك حماية لتلك الدول او رداً على عدوان قادم منها.. فعلنا ذلك قبل نشأة الإسلام وقبل ظهور القومية العربية.

ان عبقرية أسلمة القضية الفلسطينية بكل اسف على يد الإسلام السياسي الذى صنعه الاستعمار الغربي بترحاب شديد من الصهيونية العالمية هو ان التراث الإسلامي يضم تأويلات لعلامات الساعة وواقعة الاسراء والمعراج بما يخدم الادعاءات الصهيونية في احقية اليهود في فلسطين اليوم، وسابقاً حينما كانت شعوب الشرق اكثر تحضراً قبل صعود فاشية الإسلام السياسي وهرطقة القومية العربية وافيون اليسار العربي وثلاثتهم بكل اسف ذو مرجعية محافظة واحدة كان يمكن للمثقف العربي ان يكتب بكل اريحية حقائق تاريخية ترد على التراث الإسلامي واليهودي حيال فلسطين ولكن اليوم مع كل هذه الفانتازيا المتطرفة التي تلوكها الالسن اصبح مجرد الإشارة الى حقائق التاريخ لا تعني الا تكفير صاحبها وهدر دمه.

كما ان الإسلام السياسي يسقط حق المسيحي وغير المسلم عموماً في المشاركة بالمقاومة التي يجب ان تكون إسلامية فحسب، وهكذا وعبر شرذمة من الدقون أسقط حق مئات الالاف من اهل فلسطين في الدفاع عنها عسكرياً وسياسياً مقابل جوقة من المشعوذين يتم تمويلهم تارة من قطر وتارة من إيران وتارة من تركيا وجميعهم لا يفعلون الا شيء الا تنفيذ الاجندة الصهيونية او التنافس مع إسرائيل على تنفيذ نفس الاجندة.

في الواقع ان فلسطين فلسطينية فحسب، فلسطين ليست عربية فشعبها ينتمي الى قبائل فلستين وهم قبائل ليس لها علاقة بقبائل الجزيرة العربية، وتاريخها واحقية شعبها وتنوعه أقدم من الإسلام حتى نقول فلسطين إسلامية.

والقدس ليست إسلامية فحسب، فهي مسيحية ايضاً، والمعركة لم تكن يومأ معركة اديان، ولكن الغرب يريدها كذلك، حتى يستمر التخلف والجهل في عقول الناس ويظنون ان الدين مهدد وينسون ان الأوطان يتم الدفاع عنها لأنها اوطانكم ومهدكم وليس لأنها دينكم.

هذه هي مكاسب الصهيونية والغرب من أسلمة القضية الفلسطينية: دس العنصرية والطائفية والإرهاب في المجتمع الفلسطيني، اسقاط حق غير المسلم في العمل السياسي والفدائي تحت مظلة القضية الفلسطينية، اسقاط الصوت الفلسطيني المسيحي المسموع في أوروبا وامريكا، قطع الطريق امام أي رد علمي تاريخي حقيقي على الادعاءات اليهودية حول احقية يهود اليوم في ارض فلسطين ومن سوف يقوم بالرد ليس الإرهاب اليهودي بل الإرهاب الإسلامي، تولى القضية الفلسطينية تنظيم إسلامي إرهابي على اتصال بتنظيمات مثل داعش والقاعدة والنصرة والجهاد ما سهل وصم القضية الفلسطينية برمتها باعتبارها حفنة من الإرهابيين، واخيراً .. تحقيق حلم الصهيونية والغرب في تحويل الصراع من سياسي – اقتصادي الى صراع ديني ما يجعل عقول شعوب الشرق لا تنتبه الى الأسباب الحقيقية للصراع وتتحرك بشكل خاطئ حياله طالما ظنت انه صراع ديني.

البنك الأهلي
tech tech tech tech
CIB
CIB