شادية.. لاتسألني من أنا
كتب محمد شوقيوسط الصخب وإيقاعات الحياة السريعة في العصر الرقمي، هناك من يبحث عن بلسم أو ترياق مضاد فيعود، إليها بملامحها البريئة والرقيقة كرمز لزمن يسيل بعذوبة مصرية، مع رقة اللفتات والهمسات وسحر الأنغام والحنجرة الذهبية، إلى حد تأسس محبّوها وعشّاق فنها موقعًا يحمل اسمها على شبكة الإنترنت.
إلى هذا الحد استطاعت الفنانة «شادية» التأثير في الأجيال الجديدة التي لم تعاصر فنها، وتعلقوا بما قدمته قبل اعتزالها رغم مرور سنوات على ما قدمته، وهم أنفسهم من أصابتهم الفاجعة، برفقة كثيرين، بوفاتها مساء أمس عن عمر ناهز 83 عامًا، بعد صراع مع المرض.
هي فاطمة أحمد شاكر التي ولدت يوم الثامن من فبراير عام 1934 في القاهرة، ويلاحظ معلقون ونقاد في الفن عن حق أن أغانيها وأفلامها تشد الأجيال الجديدة بقدر ما تشكل واحة من الذكريات والحنين لأجيال الكبار.
موضوعات ذات صلة
- زوجة لمحكمة الأسرة: «خبرته عالية»
- المعارضة تصفع أردوغان.. و «الشعب الجمهوري» يتصدر انتخابات المحليات
- بيت العائلة المصرية لفض المنازعات بساحل سليم (صور)
- من «عباس الضوّ» لـ «علوان البكري».. جوانب من حياة عاشق المسرح «عبد الله غيث»
- قصف جوي إسرائيلي جديد على قطاع غزة اليوم
- كل ما تريد معرفته عن «التوحد».. ودور أولياء الأمور للتصدي له
- توقعات بارتفاع أسعار العقارات بنسبة 15 % خلال العام الجاري
- تعرف على مزايا «فولكس فاجن» الكهربائية
- الإعدام لشرطي بعد قتله قبطياً ونجله بالمنيا
- «البنك الدولي» يتحدث عن المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري
- «عبد الحليم» يتابع أعمال تزيين وتجميل شوراع القليوبية
- عرض إنشاء صندوق لحماية ذوي الإعاقة على الحكومة الأربعاء
ابنة الحي القاهري العريق والشهير، الحلمية الجديدة، بدأت مسيرتها الفنية عام 1947 بدور صغير في فيلم «أزهار وأشواك»، سرعان ما توهج نجمها في سماء الفن لتقوم ببطولة فيلم «العقل في إجازة» مع الفنان محمد فوزي، وتتوالى أفلامها التي حظت بإقبال جماهيري مثل: «الروح والجسد» و«الزوجة السابعة» و«صاحبة الملاليم» و«بنات حواء».
جميلة الجوهر والمظهر وشادية الكلمات والأنغام كانت تغني وتطرب وتشدو في عصر فرسان الطرب، فيه أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية، مع ملحنين من طراز محمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمود الشريف وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمد الموجي ومحمد سلطان ومنير مراد، لتكون كل أغنية جديدة لهؤلاء العمالقة بمثابة عيد للفن في العالم العربي.
إذا كان الفنان الراحل والقدير عبدالوارث عسر قد وصفها «بشادية الكلمات»، فإن هذه الفنانة الكبيرة بإبداعاتها ما بين الغناء والسينما والإذاعة والمسرح، الذي يزهو بمسرحيتها الشهيرة «ريا وسكينة»، تعد «فنانة شاملة بامتياز في تاريخ الفن العربي».
صاحبة الوجه البشوش والابتسامة، التي تحمل طعما من ندى، حققت إيرادات عالية للمنتجين ومن بينهم الراحل أنور وجدي، في أفلام مثل «ليلة العيد» و«ليلة الحنة»، لتكون «نجمة الشباك الأولى» لأكثر من ربع قرن كما ذكر سعد الدين توفيق في كتابه «تاريخ السينما العربية»، كما عرفت الطريق لمسلسلات إذاعية حظت باستماع الملايين مثل «صابرين» و«نحن لا نزرع الشوك» و«سنة أولى حب» و«جفت الدموع».
لن ينسى الجمهور العاشق للشاشة الكبيرة أفلامها مع كمال الشناوي، التي كانت أمثولة للرومانسية مثل فيلم «ظلموني الناس»، الذي تقاسمت بطولته مع أيقونة أخرى للرومانسية المصرية وهي الفنانة الراحلة فاتن حمامة، كما اشتركت معها في بطولة فيلم «المعجزة» الذي أخرجه حسن الإمام وعرض في عام 1962.
في ثنايا الزمن وطبقات المشهد المصري بعمقه الثقافي والفني، تتجلى أطياف الرومانسية كظاهرة أدبية وفنية أثرت بعمق في ثقافة الجماعة الوطنية المصرية، وألوان الحياة بأرض الكنانة، وبأفلام قدمتها شادية وكانت دوما تتناغم مع الذائقة المصرية كما يتبدى في أفلام مثل «حمامة السلام» و«الروح والجسد» و«عدل السماء» و«ساعة لقلبك»، كما اشتركت في بطولة فيلم «بائعة الخبز» مع الفنانة الكبيرة أمينة رزق والفنانة ماجدة وشكري سرحان وزكي رستم.
الأمر ذاته تجلى في ثنائياتها السينمائية الشهيرة مع النجم الراحل عماد حمدي وأفلام مثل: «أقوى من الحب» و«ليلة من عمري» و«اشكي لمين» و«ارحم حبي»، ناهيك عن فيلم «المرأة المجهولة» الذي عرض في نهاية خمسينيات القرن العشرين.
مع الفنان الراحل صلاح ذوالفقار شكلت شادية ثنائيًا جديدًا في السينما المصرية، مثل «أغلى من حياتي» و«كرامة زوجتي» الذي قام على قصة للكاتب الصحفي والأديب الراحل إحسان عبدالقدوس، وأفلام كوميدية مثل «مراتي مدير عام» و«عفريت مراتي» الذي أخرجه فطين عبدالوهاب عام 1968، وكان آخر أفلام الثنائي صلاح ذو الفقار وشادية.
كانت شادية على موعد مع إبداعات نجيب محفوظ في الرواية، لتقدمها على الشاشة الكبيرة في أفلام تشكل علامات خالدة في تاريخ السينما العربية، وهي «اللص والكلاب» و«زقاق المدق» و«الطريق» و«ميرامار»، فيما وصفها هذا الأديب النوبلي المصري بأنها تمثل «فتاة الأحلام لأي شاب».
بطلة أفلام «حب من نار» و«الهاربة» و«التلميذة» و«ألف ليلة وليلة» «الشك ياحبيبي» و«لا تسألني من أنا»، هي التي قدمت أيضًا للأديب ثروت أباظة فيلم «شيء من الخوف»، كما قدمت من إبداعات يوسف السباعي فيلم «نحن لا نزرع الشوك».
شادية بطلة فيلم «وادي الذكريات»، والتي ودعت العمل الفني في عامها الخمسين وهي في ذروة مجدها وتألقها كفنانة، بقت وستبقى دومًا حاضرة في قلوب وعقول الجماهير والذاكرة الثقافية والفنية باعتبارها «أمثولة الرومانسية التي تمشي على قدمين».
واقع الحال أنها قدمت أروع التجليات الفنية للرومانسية المصرية، التي تجلت في أوجه عديدة على مستوى الأدب والفن وطرحت العديد من الأفكار الأدبية، كما فعلت على سبيل المثال فإن «مدرسة الديوان» في الشعر التي كان من أعلامها العقاد والمازني وشكري وأكدت ضرورة أن تعبر القصيدة عن ذات صاحبها بعد أن القصيدة القديمة تبتعد كثيرا عن ذات قائلها.
الرومانسية شعور إنساني غلاب أحيانًا، وفي سديم الصخب وإيقاعات الحياة السريعة في العصر الرقمي هناك من يبحث عن بلسم أو ترياق مضاد فيعود مثلاً لشادية بملامحها البريئة والرقيقة، كرمز لزمن يسيل بعذوبة مصرية مع رقة اللفتات والهمسات وسحر الأنغام والحنجرة الذهبية، فيما أسس محبوها وعشاق فنها موقعًا يحمل اسمها على شبكة الانترنت، ويعرض مقتطفات عن أفلامها البالغ مجموعها 117 فيلمًا، فضلاً عن أندر أغانيها.
شادية التي غنت «مصر اليوم في عيد» و«ادخلوها آمنين» تشكل جزءًا عزيزًا من مشاعر أجيال، فيما يحمل صوتها بهجة وحضورها صورة عذبة للجمال علقت في ذاكرة الملايين في جميع بلاد العرب، وهي أيضًا الفنانة التي تبلسم آلام الناس بأغانيها وأفلامها لتكون بحق أمثولة للرومانسية المصرية أسهمت بإبداعها في صنع زمن جميل لا يبارح القلب.
ولئن حمل أحد أفلامها عنوان «ماليش حد» فإن الكثير من المصريين والعرب ككل يعتبرون أنفسهم على صلة قرابة وقربى من شادية، التي مازالت أغانيها وأفلامها تشكل واحة رومانسية لكل من يشده الحنين لعصر الرومانسية، ويذوب شوقًا لمرحلة ذهبية في الفن المصري امتزجت فيها ملامح الجمال بألحان وأوتار وأنغام الإبداع، فيما أمست صاحبة أغنية «يا حبيبتي يا مصر» و«سيد الحبايب» محبوبة الملايين في كل أرض عربية من المحيط إلى الخليج.
إنه «زمن شادية» الذي ينساب عبر أغانيها التي تقترب من الـ600 أغنية، وأفلامها التي تجاوزت الـ 100 فيلم على الشاشة، كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب، تستدعي قصص حب وعالمًا بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة أقوى من الزمن والنسيان.
هي من المقومات الوجدانية لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط إلى الخليج، فلاريب أن شادية صاحبة مكانة خاصة واستثنائية إلى حد كبير في قلوب المصريين وكل العرب، وهي التي قدمت أغاني تعزز بحق قيمة الانتماء وتشدو باسم مصر في كل المنعطفات وساعات المحن وأيام الانتصارات، وفي الوقت ذاته حملت راية الرومانسية وخفة الظل وبهجة الروح في الغناء العربي عبر أغان تتذكرها الأجيال، مثل «يا دبلة الخطوبة» و«مكسوفة منك» و«شباكنا ستايره حرير» و«عالي».
في سديم الضوضاء وإيقاعات العصر اللاهثة هناك من يعود دومًا لأغاني شادية وأفلامها، كرمز لعصر وصوت يسيل بعذوبة مصرية مع رقة اللفتات والهمسات وصدق العينين، فيقضي ساعات هانئة مع «لحن الوفاء» وعلى «شاطيء الذكريات» و«ربيع الحب» و«عش الغرام» و«موعد مع الحياة»، وهو فيلم تقاسمت أيضًا بطولته مع فاتن حمامة وشكري سرحان.
صاحبة أغاني «خلاص مسافر» باتت جزءًا من ثقافة رجل الشارع المصري، الذي عادة ما يصلي الفجر في «الحسين» ويعشق صوت الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن، وبعد أن يعود لمنزله من عمله يتابع مباريات كرة القدم ويهوى مشاهدة فيلم من أفلام شادية وفاتن حمامة وماجدة وهو يشعر بالحنين والشجن.
مازالت مشاهد شادية في أفلامها مع عماد حمدي وكمال الشناوي وصلاح ذو الفقار وعبدالحليم حافظ الذي قاسمته بطولة فيلم «معبودة الجماهير» تشكل زادًا وجدانيًا لأصحاب الذائقة الرومانسية وعلامة سينمائية على عصر بأكمله، رغم أنها ابتعدت عن الشاشة الكبيرة والصغيرة والحفلات الغنائية منذ بداية الشطر الثاني لثمانينيات القرن العشرين، بعد رائعة «خد بايدي» في حفل الليلة المحمدية عام 1986 والتي كانت آخر ماغنت.
دعت ملايين القلوب بالشفاء العاجل لمحبوبة الجماهير وصوت مصر، بعد أن تدهورت صحتها في بداية الشهر الجاري، إلى أن وافتها المنية مساء أمس بمستشفى الجلاء العسكري، عن عمر ناهز 83 عامًا