تعلّم التمثيل من القردة.. وراهن بزحف فيرجينيا إلى خيمته.. تعرف عن قرب على «زكي طُليمات»
كتب محمد شوقي
من يغفل عن دوره الرائع في فيلم الناصر صلاح الدين «آرثر»، وقد عرفه مشاهدو هذا الفيلم بجملته الشهيرة لليلى فوزي «في ليلة أقل جمالًا من ليلتنا هذه سوف تأتيننى إلى خيمتي زاحفة، إلى تلك الليلة يا فرجينيا».
ويعرفه جمهور السينما أيضاً بشخصية المليونير والد زبيدة ثروت في فيلمها مع عبد الحليم «يوم من عمري» وهو حاصل على جائزتي الدولة التشجيعية والتقديرية، ودرجة الدكتوراه الفخرية، وتوفى عام 1982.
هو زكي عبد الله طليمات، فلسطيني الأصل سوري النسب، مصري النشأة، من مواليد 29 أبريل عام 1897 بحي عابدين بوسط العاصمة القاهرة «آل طليمات أسرة حمصية حسينية النسب وبحوزتهم مشجر مؤرخ سنة 671 هــ، ويقال إن جدهم الأعلى قدم من وادي طليمات بين فلسطين ومصر ومنها إلى حمص وبنى جامع الفضائل سنة 472 هــ».
نشأ في أسرة أدبية ومسرحية تصنف من مؤسسي الفن والأدب في مدينة "حمص" اواخر القرن التاسع عشر ة لأب ذو أصل عربي فلسطينى وأم شركسية، حصل على شهادة إتمام االبكالوريا بالقسم الأدبي عام 1916م، ليلحقه والده بمدرسة المعلمين العليا. لكن الفتى الطموح المتمرد كان قد وقع في هوى الفن المسرحي, قرر ألا يكمل دراسته بهذه المدرسة, ووجد نفسه في قلب معركة مع أسرته.
تمنى والده ذو النزعة الجادة الرصينة أن يرى ابنه مدرساً للغة العربية بإحدى المدارس الحكومية, وأصر زكي على موقفه وفي العام التالي انضم إلى فرقة عبد الرحمن رشدي “المحامي” عند تكوين فرقته المسرحية.
حصل على البكالوريا من الخديوية الثانوية، والتحق بمعهد التربية ثم أوفد في بعثة إلى فرنسا لدراسة فن التمثيل في باريس في مسرح الكوميدى فرانسيز والأوديون وعاد حاملاً دبلوماً في الإلقاء والأداء وشهادة في الإخراج.
تزوج من السيدة روز اليوسف بعد صراع عليها مع يوسف وهبي، وأحب الراقصة امتثال فوزي، إلا أن القدر حال بينه وبينها بعد مقتلها في حادث على يد بلطجي حتى أنه كان يقول :«ظلت صورتها لاتفارقني، محفورة في ذاكرتي تؤنس وحدتي على مر الزمن».
عقب زواج زكي طليمات من روز اليوسف فوجئ بوزير المعارف أحمد لطفي السيـد يطلب لقاءه في مكتبه بالوزارة!
وحسب ما جاء في كتاب الأستاذ «فتحي غانم» «الفن في حياتنا» فقد دار بينهما هذا الحوار !
سأله الوزير: هل تعجبك سياسة السيدة «روزاليوسف»؟!
ورد «زكي طليمات»: أنا لا أفهم ألف باء السياسة؟!
وعاد الوزير ليقول له: مش شايف إنها ضد الحكومة؟!
وأجاب طليمات: «كل واحد وله رأيه.. أنا متعلم في فرنسا، وعرفت أن حرية الرأى لها احترامها، وإذا أرادت هى أن تغير رأيها وتقف مع الحكومة فهذا من شأنها!»
ويواصل وزير المعارف السؤال: أنت مسلم، والرجال قوامون على النساء؟! ويجيب زكى طليمات قائلاً: أنا لا أعتقد أن هذا الكلام ينطبق على حرية أى امراة خاصة إذا كان هذا الرأى فى السياسة!
وأنهى «لطفى السيد» الاجتماع!
انفصل طليمات عن روز اليوسف فيما بعد يحكي كتاب «روز اليوسف.. سيرة وصحيفة»، على لسان طليمات نفسه عن أول لقاء وجهًا لوجه دون أن تجمعهما خشبة المسرح، حيث ذهب إليها في بيتها بصحبة أحد كتاب المسرح، وكانت آنذاك ممثلة نابغة وشهيرة، لتفتح الباب وفي يدها سكين و«فحل بطاطس» لتبادره بالسؤال «تعرف تقشّر بطاطس؟»، ليتعجب طليمات، ويقول لها ما علاقة البطاطس بالتمثيل، فتجيب هي لما تعرف العلاقة بينهم ستصبح «ممثل صحيح»، ليكون لقاءهما التالي عند المأذون لعقد قرانهما، بعد لقاء أول فيه الكثير من المشاكسة وتزوج طليمات من روزاليوسف، وأنجب منها ابنته "آمال"، واستمر الزواج منها لأكثر من 20 عامًا
عقبت روزاليوسف على هذا الموقف قائلة: نقل «زكى» إلى دار الأوبرا لا ليعمل شيئًا اللهم إلا إذا رأينا فى مصر أنواع الأحذية والفساتين وسائرمهمات الممثلين والممثلات عملاً يستحق الذكر!، بعدها انزوى المسكين يشكو البطالة بعد أن كان لا يشكو العمل فى إدارة المعهد وسرعان ما علته الكآبة وتربعت على شفتيه ابتسامة ساخرة مريرة .
وعن سبب انفصالهما، تحدث زكي في حوار صحفي أن سبب الانفصال الحقيقي يعود لانشغال روز بأعمالها والصراع بينها وبين السلطات، فكل يوم محاكم وبوليس واستدعاء من النيابة، فالرجل يحب دائما أن تبحث عنه المرأة، وروز كانت تريد رجلا يبحث عنها، ولم أكن أنا هذا الرجل ولم تكن هي تلك المرأة فكان لابد أن يحدث الانفصال.
تقلد زكي طليمات بعد ذلك العديد من المناصب حيث تولى وظيفة معاون بدار الأوبرا الملكية في ديسمبر من عام 1929م، ثم تم تعينه مشرفا إداريا ومدرسا للإلقاء بمعهد التمثيل عقب افتتاحه في نوفمبر من عام 1930م، ولكن هذا المعهد أغلق في صيف عام 1931م بحجة مخالفته للتقاليد والآداب.
وفي عام 1934م عين طليمات مديراً لاتحاد الممثلين الذي ألف بدعم من الدولة لحل أزمة المسرح، ولكن الفرقة لم تستمر طويلا حيث كانت الدسائس والوقيعة سببا في فشل الفرقة وحلها حتى تم إنشاء الفرقة القومية المصرية -أول فرقة مسرحية تشرف عليها الدولة- عام 1935م وعُين مخرجا وعضوا للجنة الإشراف على الفرقة.
أسس طليمات المسرح القومي عام 1935؛ بهدف الخروج من سيطرة الرأسمالية وسطوة مسرح القطاع الخاص، ففى حديث أجراه عام 1974، قال: «رفضت أن أكون مديرًا للمسرح القومي، كما رفضت فكرة أن يكون الفنان موظفًا؛ لأن الفنان يجب أن يعيش دائمًا في قلق دائم، أما إذا تحول لموظف فلن تعنيه أن تنجح المسرحية أو تفشل لطالما يحصل على مرتبه».
كما عُين مديرا فنيا للفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى التي حلت محل الفرقة القومية في أغسطس من عام 1942م، وفى نفس العام أفتتح المعهد العالي لفن التمثيل العربي وعين “طليمات” أول عميدا له.
شارك في العديد من الإنجازات خلال مشواره الأدبي حيث سافر عام 1954م إلى تونس بدعوة من حكومتها للمشاركة في تأسيس الفرقة القومية، كما شارك في إنشاء معهد الفنون المسرحية بتونس، وفي عام 1961م عهدت إليه حكومة الكويت بتأسيس مسرحها القومي حيث عُين مشرفا عاما على مؤسسة المسرح والفنون بها، وبعد عودته من الكويت عام 1971م عين مستشارا فنيا للهيئة العامة للسينما والمسرح والموسيقي.
كما اختيرعام 1962 نقيبا للممثلين خلفا للمرحوم أحمد علام .. وفي نفس العام قرر مجلس الوزراء اختياره مندوباً عن الحكومة في اجتماعات جمعية المسارح في باريس .
قام الرئيس الراحل أنور السادات عام 1974 بتكريمه ومنحه الدكتوراه الفخرية مع توفيق الحكيم, يوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب في أول عيد للفن.
كما قدم العديد من الأعمال السينمائية، ومن أبرزها:«من اجل امرأة» عام 1959م، و«بهية» عام 1960م، وفيلم «يوم من عمري عام 1961م والذي قام ببطولته الفنان عبد الحليم حافظ والفنانة زبيدة ثروت، وفيلم «الناصر صلاح الدين» عام 1963م الذي قام ببطولته الفنان أحمد مظهر وأخرجه المخرج يوسف شاهين.
إلى جانب الكتابة الأدبية والصحفية، أخرج طليمات عدداً من المسرحيات ومن أشهرها: «أهل الكهف»، «تاجر البندقية»، «السيد»، نشيد الهوى، الفاكهة المحرمة، الشيخ متلوف، مدرسة الأزواج، أوبريت يوم القيامة، مدرسة النساء، الناصر، وحواء الخالدة.
يقول الكاتب شعبان يوسف في مقال نشرته جريدة التحرير المصرية :
إن زكي كان يكتب مقالات في الصحف والمجلات ناقدا المسرحيات التي كانت تعرض في ذلك الوقت، وكان أول مقال نشر له في جريدة «المقطم» عام 1922، واستمر في النقد والمشاكسة، حتى إنه هاجم جورج أبيض، وكان ينتمى إلى فرقته، وكانت النتيجة أنه ترك الفرقة، وصار دون عمل، وبحث زكي عن عمل بالبكالوريا، فلم يجد عملًا إلا فى حديقة الحيوانات، كان يقول دائما «القردة هي أستاذي الأول في التمثيل».
ويكتب طليمات بأن تجربته في حديقة الحيوانات كانت مفيدة له كفنان مسرحي إلى حد بعيد، فكان يجلس لساعات طويلة يراقب القرود فى حركاتها وإيماءاتها وأشكال تقليدها لكل ما تراه، وكذلك كان يتأمل كل الحيوانات الأخرى فيما تفعل، ويحدد ردود فعل تلك الحيوانات عن الحب والكراهية والغيرة وخلافه، ولم يكن عمله انقطاعا عن الفن، بل كان اتصالا به ولكن بشكل آخر، وهذا يؤكد أن الفنان يستطيع أن يعيش حالته كيفما يشاء ووقتما يريد.
من أجل مجابهة تلك الحرب لمسرحه تفتق ذهنه عام 1930م عن فكرة غريبة، حيث قام مع عدد من المسرحيين بتأسيس جمعية لدعم الحركة المسرحية أطلق عليها اسم «جمعية الحمير»، وجاءت تسمية الجمعية بهذا الاسم تحدياً للقصر الملكي والاحتلال الانكليزي، وإشارة إلى أن الحمار أكثر قدرة على التحمل وهم مستعدون للتحمل مثله، وضمت جمعية الحمير في عضويتها فنانين وكتاباً وصحفيين كباراً منهم طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد رجب والسيد بدير وغيرهم
بينما كان يحاضر في الكويت بدعوة من وزارة الشئون الاجتماعية لهدف «إيقاظ الوعي الفني» هناك فى عام 1958، تلقى سؤالًا «ما هي القبلة؟ وهل هي حرام فوق المسرح أم حلال؟» وبإمضاء «آنسة لا تعترف بالقُبل»!!
طليمات اعتذرعن الإجابة؛ خوفًا من خدش الحياء العام في بلد بدوية تخضع للعادات والتقاليد المتزمتة، ولكنه فور عودته إلى القاهرة أرسل الجواب إلى مجلة «الكواكب» عام 1958، قائلًا: «تعريف القبلة أمر يضيق به تأليف كتاب في حجم القاموس.. والقبلة من الناحية العاطفية مثل النقطة في حرف الباء لكلمة «حب»، فإذا حذفناها لم تعد هناك كلمة لها معنى».
وأضاف طليمات :
«إن الحياة بلا حب هي العدم، وإن كان في الحب كل العذاب.. ولا أعرف تشريعًا سماويًا أو أرضيًا يعتبر الحب حرام مدام لا ينتهي بخراب الضمائر والبيوت» .
أما عن القبلات فوق المسرح فإنه يراها تمثيل وتظاهر «بلا طعم» غرضها إكمال الموقف التمثيلي «وكنت مكرهًا على طبعها.. والممثل غير مسئول عنها لأنها تخرج منه وهو في شخصية دوره وليس في شخصيته بين الناس ويحاسبه عليها القانون.."
ويعلق الأستاذ «فتحى غانم» على إجابات «زكى طليمات» قائلاً: «عندما يعلن الفنان أن لا صلة له بالسياسة وأنه يعيش ويفكر من أجل فنه فقط، لا يجب علينا أن نصدق ما يقوله الفنان! إلا بعد أن ندرس أعماله فعلاً.. فهو قد يعلن أن لا صلة له بالسياسة، فإذا درسنا اتجاه أعماله الفنية وأثرها وجدناه غارقًا فى السياسة حتى أذنيه، وقد يظن الفنان أنه يعيش من أجل الفن فقط، وأنه يؤمن بنظرية الفن للفن، ومع ذلك يكون فنه من أجل خدمة مجتمعه ومن أجل خلق وعى سياسى واجتماعى بين الناس!»
طليمات لجأ لتأسيس الجمعية بعدما أمر الملك فؤاد بإغلاق المعهد الذي أسسه بهدف تمصير المسرح إذ خاف من إنتاجه مسرحيات داعية للانقلاب على الملك، وضم للجمعية شخصيات بارزة منهم طه حسين، ولفيف من المثقفين، والذين كل منهم على لقب مقتبس من حظيرة الحمير مثل: «حرحور» و«صاحب بردعة»، فيم تنوّعت أنشطة الجمعية المدنية لتشمل محو الأمية وتشجير الأحياء وإنشا الحدائق.
وبالرغم من أنه لدى إجابته على أحد أسئلة البرامج التلفزيونية «اثنين على الهوا» عن معهد الفنون المسرحية ماذا كان ليفعل إذا كان أمره بيده، أجاب :
«أن الأمر لو كان بيده لكان أغلق المعهد لعشرة سنوات حتى يمتص السوق الممثلين الذين أفرزهم المعهد، ثم أعاد افتتاحه» إلا أن غلق معهد الفنون المسرحية الذي أسسه عام 1930 دفعه لأكثر الأفعال غرابة، وهو تأسيس «جمعية الحمير»، فضلاً عن ترأسها.
ويعد تأسيس الجمعية لم يكن سلوكًا طريفًا بقدر ما كان رد فعل على تعنت سلطات الاحتلال التي خشيت عواقب تمصير المسرح إذ أوعز الاحتلال إلى الملك فؤاد، أن المعهد يمثل خطرًا على حكمه لأنه عندما يتعلم المصريون كتابة المسرح سيخرجون إلى الناس بمسرحيات تشير إلى الفساد فأصدر الملك قرارا بإغلاق المعهد.
وأضافت مجلة مصر المعاصرة : «أن طليمات حين فشلت جهوده رأى أن يؤسس هذه الجمعية لما يتميز به الحمار من صبر وطول بال وقوة على التحمل، وشاركه في تأسيسها شكري راغب مدير دار الأوبرا المصرية آنذاك».
انضم لها أدباء وفنانون، من أبرزهم طه حسين، وعباس العقاد، و نادية لطفي، وضمت 30 ألف عضو من المصريين ولهم عدة ألقاب فعند انضمام العضو للجمعية يلقب بالحرحور أي الجحش الصغير ثم يحصل على رتبة أعلى حسب مجهوده، وقد يظل العضو 20 عامًا دون أن يحصل على اللقب وهو «حامل البردعة» أي حمار كبير، ولم يحصل على هذا اللقب سوى ثلاثة أعضاء هم زكي طليمات، شكري راغب، والمرسي خفاجي."
وتولى طليمات رئاسة الجمعية عند تأسيسها وحددت الجمعية هدفها في الدفاع عن المسرح ضد ما يتعرض له من محاربة لكنها تحولت بعد إنجاز مهمتها هذه إلى جمعية خيرية لجمع التبرعات للفقراء واستمرت الجمعية في نشاطها سنوات طويلة وانضم إليها أجيال من الفنانين والكتاب.
اختارطليمات الحمار عنوانا لتأسيس جمعية «الحمير المصرية»، لما يتميز به الحمار من صبر وطول بال وقوة على التحمل، ويطلق على عضوها لقب «حرحور» أي «الجحش الصغير»، ثم يحصل على رتبة أعلى حسب جهوده، وقد يظل العضو 20 عاماً دون أن يحصل على أعلى لقب، وهو «حامل البردعة»، أي الحمار الكبير، وهو اللقب الذي حمله زكي طليمات على اعتباره رئيس الجمعية.