دَستور أم دُستور؟!
بقلم رئيس التحريرفي الوقت الذي يستعد فيه الشعب المصري لملحمة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد أو ما يعرف إعلاميا بالتعديلات الدستورية، قد نجد أنفسنا لا نفرق بين كلمة دَستور بفتح الدال او دُستور بضم الدال، فقد تعودنا استخدام الكلمتين بنفس القصد رغم بعض الاختلافات التي قد تشوب المصطلحين لغوياً، بل و مشهور عند العامة فيمن دخل بدون إذن أو قل حياؤه أن يقولوا "من غير إحم و لا دستور"، يعنى لم يتنحنح ليعرفوا به و لا استئذن و الله أعلم، وكان هذا هو فهم الشعب المصري لكلمة "دستور" قبل وقت قريب، و الكلمة ليست عربية و هى فى الفارسية لها أكثر من معنى و تركيب.
وبدأت معرفة الشعب المصري بماهية الدستور مع الفيلم الكوميدي "عايز حقي" للفنان "هاني رمزي"، والذي أدى دور السائق "صابر الطيب" والذي قرأ نص الدستور المصري، مصادفة في محطة المترو، والذي ينص على أن من حق أي مواطن الحصول على جزء من الملكية العامة، فيقوم برفع دعوى قضائية مطالبا بحقه في المال العام، والحصول على شقة ليتزوج فيها، حتى يتم القبض عليه بتهمة تحريض الجماهير، ثم يحصل على الحكم بالبراءة من القضية كي ينادى ببيع الوطن !، عن طريق التوكيلات التي يرسلها المواطنون إليه بأحقيته فى بيع حقهم فى الوطن !
ولست بصدد الحديث عن المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية من عدمه اليوم، بقدر الوقوف على معنى وأصل كلمة أو مصطلح دستور.
و يُعرف معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي- كلمة "دَسْتُور- دُسْتُور" والجمع دَساتيرُ، على أن الدُّسْتُورُ هو القاعدة يعملُ بمقْتضاها، كما عرف المعجم مصطلح الدُّسْتُورُ، بأنه الدفترُ تُكتب فيه أسماءُ الجند ومرتَّباتهم، أما كلمة الدُّسْتُورُ ( في الاصطلاح المعاصر )، فهي مجموعةُ القواعِد الأساسية التي تُبيِّن شكل الدولة ونظام الحُكْم فيها ومدى سلطتها إزاءَ الأَفراد، و يُقال "دستوره بيده" أي حرٌّ مستقلّ، و يُقال "دستور العمل" أي مجموع قوانين أو مراسيم الأعمال.
أما عن أصل كلمة لفظ دستور، فهي ليست كلمة عربية بالأساس و إنما معرب من الفارسية وهو لفظ مركب من شقين: "دست" بمعنى قاعدة و"ور" بمعنى صاحب، فيكون المعنى الكامل للمفهوم هو صاحب القاعدة. وهو يتعلق أولاً وأخيرا بالدولة باعتبارها ذروة المؤسسات السياسية، وينصرف إلي تنظيم السلطات العامة في الدولة من حيث كيفية تكوينها، واختصاصها، وعلاقتها ببعضها البعض وبالمواطنين.لذا يعرف الدستور بأنه القانون الأعلى في المجتمع السياسي أو مجموعة القواعد الأساسية التي يتم وفقاً لها تنظيم الدولة وممارسة الحكم فيها، وتتميز هذه القواعد الدستورية عادة بالدوام والاستقرار.
والأصل في الدستور أنه يعتبر وثيقة مكتوبة يحاط إصدارها بمجموعة من الضوابط التي تضمن انعقاد الإرادة العامة والتعبير السليم عنها، من قبيل موافقة الهيئة التشريعية بأغلبية معينة على هذه الوثيقة، وعرضها على الشعب للتصويت عليها في استفتاء عام.
"دَستور"، و"دُستور" كلمتان تتفقان حرفاً، وتختلفان معنى، أما الأولى، وهى "دَستور" بفتح الدال، فكلمة دارجة يستخدمها المصريون فى حالة من اثنين: عند التعامل مع ما يسمى بـ "الأسياد"، وهم الجن؛ فيقولون عند الإشارة إليهم "دَستور يا أسيادنا"، أو عند الدخول إلى مكان يبدو من هدوئه أن أصحابه غير منتبهين لدخول قادم إليهم.وأما الثانية، وهى "دُستور" بضم الدال، فكلمة غير عربية، وتعنى "القانون الأساسى"، أو "القانون الحاكم" الذى يُرجع إليه حين صياغة القوانين - ما يسمى بعملية التشريع القانونى.
الأولى "دَستور" يعرفها معظم المصريين، جاهلهم ومتعلمهم.. فقيرهم، وغنيهم.. كبيرهم، وصغيرهم، أما الثانية فيجهل معناها الاعتبارى معظم المصريين من كافة فئاتهم، وطوائفهم؛ رغم سماعهم عنها فى كل وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة. وأقصد بـ "معناها الاعتبارى": المعنى الذى يرسخ فى النفوس، ويتحول إلى أرض الواقع.. قانون أساسى يعبر عن الناس، وعن هويتهم، وعن ثقافتهم.. يلجأون إليه حين يختلفون، وحين يتجادلون، وحين يشعرون بالظلم.
فالدُستور: مرجع الأمم، تتوافق عليه بما يعبر عنها، يحكم علاقتها بحكامها، وأصدقائها، وأعدائها، وعلاقتها بماضيها، وعلاقتها بمستقبلها.
وللحديث بقية .. حفظ الله مصر و شعبها و جيشها