أشهر صعيدي في تاريخ السينما المصرية.. كبير الرحماية
كتب محمد شوقيولد محمد محمود أحمد أبو شرابة، ببورسعيد فى عائلة اشتهرت بتجارة الجلود لتجه إلى المونولوج عمل بالمسرح المتجول والتحق بفرقة ببا عز الدين ثم فرقة بديعة مصابنى وادى شخصية الصعيدى الساذج.
عندما نشاهده نضحك على حركاته وتعبيراته ولا نعرف سوى ان اسمه «كبير الرحيمية قبلي» لذلك نريد ان نقترب من تفاصيل حياته ونعرف كيف كان «محمد التابعي» الأب والانسان والفنان؟.
اسمه الحقيقي «محمد محمد احمد شرابة التابعي من مواليد 26/4/1907 بورسعيد.. كان والده يتاجر في الجلود ويرغب في ان يكون معه في هذه المهنة المتوارثة.. الا ان الرياح تأتي بما لا تشتهى السفن وجعلته تمرد على هذا.. وذهب الابن الى ميول أخرى فقد كانت تستهويه العروض المسرحية لفرق «يوسف وهبي» و«الريحاني» و«الكسار».
استقرت العائلة في القاهرة واستقر الفن في قلبه ورمى به في صالات «ببا عز الدين» و«بديعة مصابني» وسمع الأب المتدين الذي حرص على ان يكون ابنه حافظاً للقرآن بهذا فأخذه في عز برد الشتاء الى «دش ماء بارد» مع حرمانه من الخروج ليلاً، ومع ذلك لم يترك الابن الفن الذي كان يجري في دمه وتحول الى «محمد التابعي» الفنان والمونولوجست على مسرح «الهامبرا» مع فرقة «فوزي منيب» ثم انتقل الى العمل مع فرقة «ببا عز الدين» ثم فرقة «بديعة مصابني».. ومن المسرح الى عالم السينما من خلال المجاميع الى ان جاءته الفرصة من خلال مشاهدة المخرج «عباس كامل» له في اسكتش «الباش تمرجي» في فرقة شكوكو فأعجب بأدائه الصعيدي واسند اليه الشخصية التي ابتكرها على الورق وهي «كبير الرحيمية قبلي» حيث كان يبحث وقتها عن ممثل خفيف الظل لدور كبير الرحيمية قبلي ولما قرأها أعجب بالدور وأضاف الى السيناريو واختار ملابسها واكسسواراتها وكذلك الشنب المميز حتى جملته الشهيرة «تروح فين يا عبدالرحيم.. تتصرف كيف ياعبدالرحيم» ونجح بسبب أبي فيلم «لسانك حصانك» وشخصية كبير الرحيمية قبلي، وكان يتقاضى عن الفيلم مئة جنيه وارتفع ووصل إلى 400 جنيه.
وشارك بالتمثيل مع نجوم كبار أمثال كمال الشناوي - شادية- منير مراد- إسماعيل ياسين- السيد بدير - عمر الجيزاوي - ماري منيب.
ونجاح شخصية كبير الرحيمية قبلي جعل مسؤولين الدراما ينقلون هذه الشخصية من السينما الى التلفزيون وبالفعل وقعوا عقدا لبطولة حلقات تلفزيونية بعنوان «مغامرات كبير الرحيمية».
ولنجاحها أيضا أسس في الخمسينات فرقة مسرحية خاصة به تحمل نفس الاسم وطاف بها بلدانا كثيرة وحققت نجاحاً كبيراً وكانت بطلتها الفنانة «نعيمة الصغير» والتي شاركت في أداء الاسكتشات الغنائية معه وكانت تملك صوتا جميلا وتضم فرقته عددا من النجوم منهم نعيمة الصغير - شكوكو - الكحلاوي- شفيق جلال - احمد غانم - عمر الجيزاوي - السيد بدري.
وكان يذهب في شهور الصيف الى الاسكندرية ويستأجر أكثر من مسرح ليقدم عروضه المسرحية التي توسع برنامجها الى جانب الاستكشات التمثيلية والفنية فقرات أخرى منها الساحر والاكروبات وكذلك فقرات المنولوجات التي اكتشف من خلالها اسماء كثيرة منها فتحي الجمل - حسن فياض - حسين المليجي.. وأشهر ما قدم على مسرح الاسكندرية روايتا الشكنحاوي والزعبلاوي، وكان وقتها ثمن التذكرة 37 قرشا شاملة المشروب، وبعد وفاته اعضاء الفرقة كانوا يريدون الاستمرار ولكن كانت الفرقة تحتاج لرأسمال.
تقول ليلى: ان أبي لم يذهب في حياته الى الصعيد ولكن كان له أصدقاء صعايدة واحتك بهم كثيراً لذلك أتقن الشخصية وأضاف لها خفة الدم وقدمها في أفلام كثيرة منها لسانك حصانك - المقدر والمكتوب - خبر ابيض - حضرة المحترم بل الصعيد هو الذي جاء اليه عن طريق الهدايا من الفطير والعسل الأسود نوع من محبة الصعايدة له.
وعن طباعه تضيف ليلى: كان طيب القلب خفيف الظل حنونا لدرجة كبيرة واجتماعيا جداً وعلاقته طيبة بكل الجيران وينادونه بـ«كبير الرحيمية» ويضربون له «تعظيم السلام» الذي كان يفعله الغفير في أعماله.. ولم يكن ناسياً لدوره كأب فكان يحرص على رعاية أسرته فبرغم ضيق وقته كان يشرف على مذاكرتهم وكان يمنعهم من الاستذكار خارج المنزل عند زملائهم.
كان التابعي في البيت دائما يغني «ام كلثوم» له طقوس خاصة في يوم حفلها كان يشتري كميات من اللب والسوداني والمشروبات لقضاء السهرة بجانب «ام كلثوم» يسمعها.. كذلك كان زملكاويا متعصبا جداً وعند فوزه يقوم بتوزيع «صندوق مياه غازية» على الشارع كله في العجوزة.. وكان عاشقاً للسفر وله أصدقاء في كل بلد يسافر اليها وكذلك الطهي فكان عندما يعود للمنزل يدخل الى المطبخ ليطهو لنا الطعام لانه كان طباخاً ماهراً وتعلم الطبخ من صديق له عمل طباخاً للملك فاروق، وكان يصنع الحلويات وأستاذ في ام على، والمحشي، والبلمية يجعل امي تقف بجواره ليعلمها كيف تصنع الطعام.
توضح ان تشابه اسمه مع محمد التابعي أمير الصحافة المصرية وضعه في الكثير من الواقف الطريفة منها: كان يسكن في العجوزة وفي الشارع نفسه يسكن «محمد التابعي» أمير الصحافة وهو ما كان يجعل البوسطجي دائماً ما يأتي بخطابات الصحافي الى الممثل والعكس، وكان والدي يرسلني دائماً الى أمير الصحافة لاعادة الخطابات التي وصلتنا عن طريق الخطأ.
وعن زواجه من بنت عمت الفنانة «ثريا حلمي» تضيف ليلى: كان صديق للفنانة «ثريا حلمي» ودائم الزيارات لها بمنزلها وهناك شاهد والدتي «عواطف» وأعجب بها وطلبها للزواج ولكن عائلتها رفضت بسبب انه كان يكبرها بعشرين عاما وكذلك كان متزوجاً من امرأة لبنانية لم ينجب منها وتركها لهذا السبب.. ولكن أمي كانت شديدة الاعجاب بها وتزوجها ولم تكن تجاوزت 16 عاماً من عمرها وأنجب منها أربعة أولاد انا أكبرهم ومن بعدي محمد ثم ثريا وأخيرا يوسف الذي مات في سن السبع شهور، كان زوجاً وفياً يعشق أسرته ويقدرها وبعد وفاته ترك لنا معاشا 75 جنيها لم يكن يكفي الأسرة فاشتغلت والدتي في كورال الاذاعة لأنها صاحبة صوت جميل ثم انتقلت الى كورال «فرقة رضا» وظلت بالفرقة حتى سن المعاش.
وتحكي ليلى عن ابن أخيه ومدير أعماله «حامد التابعي» وتقول: كان يعشقه بدرجة كبيرة الى درجة جعلته يطلب منه ان يرافقه وبدأ العمل معه وهو في سن 14 عاماً وكان لا يفارقه وأقام معه أول حياته الفنية في لوكاندا بحي شبرا بعدها انتقل الى القاهرة في شقة العجوزة وبعد وفاته استقر «حامد» مع أسرته في الاسكندرية.
وعن حلم السفر الى أميركا توضح ليلى: كان هناك عرض جاءه من منتج مصري من أصل يهودي على ان يجعله يهاجر معه الى أميركا لتصبح شخصية كبير الرحيمية قبلي بين الجاليات العربية هناك خاصة ان شهرتها سبقتها اليهم، يوم تلقيه العرض جاء الى البيت مهموماً وعرض علي مسألة «الهجرة الى أميركا» فوافقت على هذا العرض وقلت له ياريت يا بابا، خاصة ان المقابل المالي مغرياً، ووجدته اليوم التالي يرفض العرض رغم لحلمه بالسفر لأميركا، لكن لأن العرض كان من يهودي لذلك رفضه.
جاءت نهاية كبير الرحيمية مليئة بالألم، هكذا تقول ليلى وتضيف: كان انسانا رقيق الحس يتأثر بكل من حوله وعندما توفت والدته حزن وتوفي بعدها بسبعة شهور وآخر عمل قدمه هو فيلم «دكتور بالعافية» بطولة كمال الشناوي وعبدالعزيز محمود.. وكان في أيامه الأخيرة مرتبطاً بعقد مع الفنانة «صفية حلمي» التي علمت بأنه يجهز للسفر مع «فايز حلاوة» و«تحية كاريوكا» في رحلة للبلاد العربية، فطلبت منه دفع قيمة الشرط الجزائي، فأصيب بحزن وعاد للوقوف على المسرح وأصيب وهو واقف بجلطة في المخ انتقل على أثرها الى مستشفى «القصر العيني» وظل هناك 11 يوما، وتوفي في 11 ديسمبر 1964 بعد ان زاره كل أصدقائه في الوسط الفني خاصة الفنان «عبدالعزيز محمود» الذي كان من اخلص أصدقائه وكان يسأل عنه باستمرار أثناء فترة مرضه وكذلك الفنانة تحية كاريوكا الا «صفية حلمي» الأمر الذي احزننا جميعاً.
وللأسف بعد كل هذا العطاء لم يحصل «محمد التابعي» كبير الرحيمية قبلي» على ما يستحق من تكريم ولم يفكر احد في تكريمه حتى في مهرجان السينما منذ أعوام قاموا بتكريم المخرج عباس كامل مبتكر شخصية كبير الرحيمية» ولم يفكروا في الذي جسد الشخصية.. وتبقى لنا كلمة بأن نطالب بتكريم «كبير الرحيمية قبلي».