وكيل الأزهر يحذر من سلبيات وسائل التواصل: لها آثار مدمرة على المجتمع والدين
كتب كريم المالحقال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، لقد أحسنت كلية أصول الدين بالأزهر، حين اختارت عنوان المؤتمر عن «وسائل التواصل الحديثة بين المكتسبات الحضارية والثوابت الاجتماعية من منظور إسلامي»؛ إذ تحاول بذلك أن تستكمل ما بدأته العام الماضي في محاولة جادة للكشف عن ملامح التنمية في فكرنا الإسلامي، وتوجيه المكتسبات العلمية الحديثة نحو الاستفادة منها، ولا يخفى على أي أزهري متبصر أن الكليات الأزهرية منوط بها تصحيح العقيدة وصيانتها من الشبه والأباطيل، وتجديد وعي الناس، وتثقيفهم وتبصيرهم بالتيارات والاتجاهات والمذاهب المعاصرة، وتوجيه سلوك الناس في ضوء رسالة الإسلام السمحة، نحو الاستفادة من المكتسبات العلمية والتكنولوجية الحديثة بما يحقق رسالة الإسلام. وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الرابع لكلية أصول الدين بالقاهرة والذي جاء تحت عنوان «وسائل التواصل الحديثة بين المكتسبات الحضارية والثوابت الاجتماعية من منظور إسلامي»، أن الله يقول في كتابه الكريم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة»، وإن حاجتنا إلى التثبيت في الدنيا تسبق حاجتنا إليه في الآخرة؛ ولا يخفى عليكم أننا نعيش اليوم واقعا مليئا بفتن تغير الأفكار والقناعات، وتخدع وتغر بما تطرحه من شائعات وشبهات تبث ليل نهار، تحتاج إلى تثبيت، ولقد أثرت وسائل التواصل على الأخلاق والسلوك والتعامل بين الناس؛ فأصبحت البيوت الحية بحديث أهلها صامتة كأنها خالية، واستبدلت مجامع الناس للحديث والمؤانسة بصمت مظلم، بل أثرت على بعض الناس في دينهم، فجعلت من بعض العقول عقلية خرافية، أشربت أفكارا فاسدة. وأوضح الدكتور الضويني أن الإنسان مدني بطبعه لا حياة له بمفرده بل حياته بمجتمع وتواصل، فلابد له من صلة بمن حوله من جنسه، وقد أتاحت التقنية الحديثة وثورة الاتصالات المعاصرة أنماطا من التواصل لم يكن للناس بها عهد ولم يكن لهم بها معرفة، فقد جعلت الناس في تواصل ليس له نظير فيما يعهدون ويعرفون، تواصل لا يحده مكان ولا زمان ولا جنس ولا سن، تواصل واسع الانتشار استوعب العالم بأسره، شرقه وغربه، صغيره وكبيره، ذكره وأنثاه، على اختلاف الديانات وتنوع الثقافات. وبين أن شبكات التواصل الاجتماعي بشتى صورها قد صارت جزءا من حياة الناس اليومية في كثير من شئونهم ومصالحهم دينيا أو دنيويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو إعلاميا، ومن هنا وجب التنبيه إلى أن هذا التواصل وهذا النوع من التقدم له إيجابيات كثيرة، ينبغي أن تستغل وينتفع بها، كما أن له سلبيات كثيرة وخطيرة ينبغي أن ينبه ويتنبه لها وأن تتقى وتحذر، وأن تلك التطبيقات التي انتشرت بين أيدي الناس بشتى صورها وأنواعها تؤثر تأثيرا كبيرا على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى فمن المهم أن يدرك الجميع خطورة ما يكون فيها من شرور وأن يتوقى ذلك في أنفسهم وفي أسرهم. وأضاف وكيل الأزهر أن تلك التطبيقات لا حصر لها ولا تحديد بل هي متنوعة يحدث للناس فيها في كل زمان تجديد وتنويع، كل ذلك في استعمال يحتاج إلى ترشيد وتنبيه فما يبث في تلك التطبيقات إما أن يكون خيرا فأستفيد منه وانتفع، وإما أن يكون شرا يفضي إلى هلاك وفساد في دين أو دنيا، ومنه ما لا خير فيه ولا شر، وهذا من اللغو الذي ينبغي أن يعرض عنه، وفي ضوء هذا فإن شبكات التواصل الاجتماعي يرى فريق أنها وسعت الإدراك، وزادت من الوعي، ونقلت البشر في سنوات معدودة إلى عالم لم يكن يمكن الوصول إليه بوسائل الاتصال التقليدية، وفريق آخر يرى أنها سبب في الانفلات الأخلاقي والاجتماعي، وأن ضررها قد تجاوز منفعتها بمراحل، فمع من نقف؟ مع الطرف الأول الذي ضخم الإيجابيات، أم مع الطرف الثاني الذي ضخم السلبيات؟. وأوضح وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر جاء لكي يحدد لنا طريق التعامل مع تلك الوسائل إيجابا وسلبا، فلا يمكن إنكار حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد عادت على العالم أجمع بإيجابيات عديدة، ومن هذه الإيجابيات على سبيل المثال أنها قد سهلت الاطلاع على جديد المعارف من إصدارات بحثية ومحاضرات، كما سهلت عملية التواصل بين الأفراد، فأصبح العالم بفضلها أشبه بقرية صغيرة، حيث يستطيع مستخدمها التواصل مع شخص آخر في مكان آخر بعيد عنه بكل سهولة، وتأتي الفرصة للتعرف على أشخاص جدد يشاركونه الاهتمامات، وتكوين علاقات جديدة معهم، وفي المقابل فإن لمواقع التواصل الاجتماعي سلبيات عديدة أيضا؛ فالعلاقات التي يتم بناؤها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عادة ما تكون زائفة وليست حقيقية، إلا أنها تجعل المرء يظن العكس، فيصبح من الصعب التفريق بينها وبين العلاقات الحقيقية في العالم الحقيقي، كما لا يمكن إنكار حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد قللت إنتاجية الفرد؛ نتيجة إلهاء مواقع التواصل الاجتماعي للأفراد، علاوة على ذلك، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تخل بخصوصية الأفراد حتى مع وجود الإعدادات التي توفرها هذه المواقع لحماية خصوصية المستخدمين. ولفت وكيل الأزهر إلى مما يجب التحذير منه أن لتلك الوسائل آثارا مدمرة على المجتمع وعلى الدين وعلى الأخلاق فقد ساعدت البعض على التجرؤ على الشرع الحكيم والخوض فيه بلا علم، ورد النصوص بغير بينة، وتهوين الواجبات والمحرمات، وبث الشبهات لإسقاط كثير من الأحكام، ويتلقف ذلك العامة؛ فيصابون بالشك في بعض أحكام دينهم، وتكثر البلبلة والجدال في أوساطهم، ومجالس الناس شاهدة على تفشي هذه الظاهرة بعد انتشار هذه الوسائل، حتى صار الانقسام بين الناس، واختلافهم في دينهم ظاهرا جليا، وأخطر من ذلك أن الملحدين استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي لكسر المقدسات في نفوس المسلمين، وتهوينها في قلوبهم والطعن في رسل الله وكتبه وشرائعه، إضافة إلى أن البعض ينشر كل ما يعجبه وتارة ما يعجبه هذا ينسب كذبا للدين، فيتلقفها من لا علم له، لمجرد أنها أعجبته، ويتبرعون بنشرها محتسبين أجرها، والواجب على من بلغه شيء من ذلك أن يتثبت بسؤال أهل العلم عن صحته قبل نشره، فإن تبين خطؤه نبه مرسله إليه ووعظه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وأكد الدكتور الضويني أنه أمام هذه الآثار السلبية لتلك الوسائل والبرامج يبرز بقوة دور المؤسسات الدينية والتربوية لوضع ضوابط لاستخدام هذه التقنية وتوجيهها على مستوى جميع الأفراد بما يفيدهم، وتوعية الشباب بصفة خاصة بمخاطر هذه الشبكات الاجتماعية وسلبياتها، وتعريفهم بكيفية استخدامها للاستفادة منها، بما يعود بالنفع الإيجابي على مجتمعهم والمحافظة على قيمهم، حيث يمكن للمؤسسات الدينية أن تقوم بدورها في الحفاظ على القيم ومواجهة سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي من خلال ما يلي: عقد الدروس الدينية والحلقات والخطب والدورات التي تحث الأفراد على المحافظة على الشعائر الدينية والالتزام بالتعاليم الإسلامية، وتوجيه النصح والإرشاد للشباب باتباع الضوابط الأخلاقية عند استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من خلال ندوات تثقيفية توجيهية خاصة، فضلا عن إظهار سماحة الشريعة الإسلامية ونبذها للتعصب والتطرف الفكري واحترام آراء الآخرين على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، والتحلي بالتسامح، والبعد عن الجدال والخصام، بالإضافة إلى معالجة الأفكار المعاصرة كالحرية وحقوق الإنسان وغيرهما معالجة شرعية، تحفظ على المجتمع هويته، ولا تفضي إلى تحلل من القيم والأخلاق الدينية. واختتم وكيل الأزهر كلمته بمطالبة كلية أصول الدين العريقة التي طالما كانت حصن أهل السنة والجماعة، بأن تشارك بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدروس ومحاضرات لعلماء الكلية وباحثيها، تبين فيها منهج الأزهر: عقيدة وشريعة وسلوكا، مع الرد على المشككين في العقيدة الإسلامية الصافية، ويسهم فيها علماء التفسير والحديث والعقيدة بتوضيح الصواب من الخطأ مما ينشر على مواقع التواصل من أحاديث وتفاسير للآيات، وكذا قسم الدعوة يبين المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله، وينشر المواعظ وما يذكر الناس بدينهم، ولا أقف هنا عند كلية أصول الدين الأم بالقاهرة وحدها، ولكن أن يتم ذلك عبر تواصل فعلي بين جميع كليات أصول الدين على مستوى الجمهورية والأقسام المناظرة، لتكون الرؤية واحدة والمنهج واحدا، وإن كنت أطلب ذلك من جميع كليات جامعة الأزهر الشريف، وهذا استكمال لما دعا الأزهر إليه من أهمية استثمار الفكر الإسلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.